فصل: وَنَخْلَةٍ حَيْثُ تَكُونُ وَاحِدَه *** وَشِبْهِهَا وفي البيوعُ الفاسِدَه

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البهجة في شرح التحفة ***


وَالْمُشْتَرِي الشَّيْءَ وبَعْدُ يَطَّلِعْ *** فِيهِ عَلَى عَيْبٍ قِيَامُهُ مُنِعْ

‏(‏والمشتري الشيء‏)‏ أي شيء كان ‏(‏وبعد يطلع فيه على عيب‏)‏ قديم ‏(‏قيامه‏)‏ مبتدأ ثان ‏(‏منع‏)‏ خبره والثاني وخبره خبر الأول والرابط الضمير في قيامه، وإنما يمنع قيامه بذلك العيب إذا تصرف أو سكت مدة تدل على الرضا كاليومين ونحوهما من غير عذر، ولذا قال‏:‏

إلاَّ مَعَ الفَوْرِ وَمَهْمَا اسْتَعْمَلا *** بَعْدَ اطِّلاَعِهِ المعِيبَ بَطَلاَ

‏(‏إلا مع‏)‏ قيامه ب ‏(‏الفور ومهما استعملا‏)‏ استعمالاً منقصاً ‏(‏بعد اطلاعه المعيب‏)‏ مفعول باستعملا أي‏:‏ متى استعمل المعيب الاستعمال المنقص بعد اطلاعه على عيبه سواء استعمله زمن الخصام أو قبله ‏(‏بطلا‏)‏ الرد بالعيب لأن الاستعمال أو السكوت من غير عذر دليل على الرضا بالعيب ومثل للاستعمال المنقص بقوله‏:‏

كاللُّلْبسِ وَالرُّكُوبِ وَالبِنَاءِ *** وَالهَدْمِ وَالجِمَاعِ لِلإِمَاءِ

‏(‏كاللبس‏)‏ للثوب ‏(‏والركوب‏)‏ للدابة في الحضر اختياراً وكذا لو تسوق أو سافر بعد الاطلاع، ومفهوم اختياراً أنه لو اضطر لركوب الدابة أو الحمل عليها لاطلاعه على عيبها في سفره أو لتعذر قودها في الحضر، فإنه لا يمنع من الرد وهو كذلك على رواية ابن القاسم، ومفهوم كاللبس أن الاستعمال الذي لا ينقص المبيع كسكنى الدار واقتطاف الثمرة ولبن الشاة ومناظرة في كتب لا يمنع الرد، وهو كذلك إن كان في زمن الخصام، فإن كان قبله منع ‏(‏خ‏)‏ عاطفاً على ما يمنع الرد ما نصه‏:‏ وما يدل على الرضا إلا ما لا ينقص كسكنى الدار وحلف إن سكت بلا عذر في كاليومين لا كمسافر اضطر لها أو تعذر قودها لحاضر الخ‏.‏ والحاصل أن الاستعمال قبل الاطلاع لا يمنع الرد مطلقاً وبعده فيه تفصيل، فإن كان منقصاً كاستخدام العبد والدابة ولبس الثوب منع مطلقاً طال أم لا، كان زمن الخصام أو قبله إلا لعذر كسفر، وإن كان غير منقص كحلب الشاة وسكنى الدار بنفسه أو كرائها لغيره، فإن كان زمن الخصام فله الرد، وإن كان قبله مع السكوت يومين فأكثر فلا رد، وإن كان اليوم فدون فله الرد بعد يمينه كما أنه له الرد إذا سكت أكثر لعذر من خوف ونحوه وثبت عذره وما مر من أن الاضطرار في السفر لا يمنع الرد ظاهراً، ولو كان ذلك الاضطرار في الذهاب وهو كذلك قال في الشامل‏:‏ وعذر مسافر ولا يلزمه ردها إلا فيما قرب وخفت مؤنته، ويستحب له أن يشهد أن ذلك ليس رضاً منه اه‏.‏ ولكن إذا رجعت لحالها ردها ولا شيء عليه، وإن عجفت ردها وما نقصها أو يأخذ قيمة العيب قاله ابن القاسم‏.‏ ‏(‏والبناء والهدم والجماع للإماء‏)‏ يعني التصرف بهذه الأمور بعد الاطلاع، ولو زمن الخصام مما يدل على الرضا ويمنع الرد بالعيب، ولا شيء له من أرش ولا غيره، وكذا العتق بعد الاطلاع‏.‏

تنبيه‏:‏

فإن غاب بائع المعيب فالمشتري بالخيار إن شاء صبر إلى قدومه ويستحب له الإشهاد بأنه لم يرض، وإن شاء رفع أمره للحاكم فيكتب لقريب الغيبة ويبيع المعيب على بعيدها ويقضي منه الثمن، فإن فضلت فضلة بقيت بيد الحاكم كما في اللامية‏.‏ قال أبو الحسن‏:‏ يتم الحكم بالبيع في هذه المسألة بتسعة شروط، وثلاثة أيمان‏.‏ أحدها‏:‏ أن يثبت أنه ابتاع‏.‏ الثاني‏:‏ مقدار الثمن، الثالث‏:‏ أنه نقده‏.‏ الرابع‏:‏ أمد التبايع‏.‏ قلت‏:‏ وهذه الأربعة يتضمنها عقد الشراء في الغالب، والخامس‏:‏ ثبوت العيب‏:‏ السادس‏:‏ أنه ينقص من الثمن‏.‏ السابع‏:‏ أن العيب أقدم من أمد التبايع‏.‏ قلت‏:‏ وهذه السبعة يشاركه فيها الحاضر‏.‏ الثامن‏:‏ ثبوت الغيبة‏.‏ التاسع‏:‏ كونها بعيدة أو بحيث لا يعلم، وأما ثلاثة أيمان؛ فإنه يحلف أنه ابتاع بيعاً صحيحاً وأنه لم يتبرأ إليه من العيب ولا بينة له ولا أراه إياه‏.‏ والثالثة أنه ما رضي بالعيب حين علم به، وله أن يجمعها في يمين واحدة انظر ضيح و‏(‏ح‏)‏‏.‏

قلت‏:‏ ظاهره أنه يحلف أنه ما أراه إياه وأنه ما رضي به، ولا تتوقف يمينه على دعوى المخبر ولا الإراءة، وهو كذلك لأن هذا غائب فلا أقل لو حضر أن يدعي أنه أخبره برضاه مخبر، أو أنه أراه إياه بخلاف الحاضر فليس له أن يحلفه على ذلك إلا بدعوى المخبر والإراءة كما قال ‏(‏خ‏)‏‏:‏ ولم يحلف مشتر ادعيت رؤيته بدعوى الإراءة، ولا الرضا به إلا بدعوى مخبر الخ‏.‏ وتقدم في عيوب الرقيق أن هذا إنما يجري على أن يمين التهمة لا تتوجه، وظاهره أيضاً أنه لا يحتاج إلى ثبوت ملك البائع لما باع إلى وقت بيعه خلافاً لما في ضيح تبعاً لابن عبد السلام، من أنه لا بد منه زيادة على التسعة المتقدمة، وهو مما لا وجه له لأن الأصل فيمن باع شيئاً أنه إنما باع ما يملكه، وكونه باع غير ملكه خلاف الأصل، كما في الارتفاق‏.‏ وتقدم ذلك في البيع على الغائب، ولأن هذا يملك الرد عليه باع ملك نفسه أو ملك غيره بوكالة أو نحوها حيث لم يعلم المشتري بوكالته أو بأنه يبيع ملك غيره، وقد يكون للإنسان السلعة أو الدار ويبيعها بفور شرائهما قبل أن يعرف الناس أنهما ملكه ويغيب بعد ذلك فيتعذر على القائم ثبوت ملك البائع، فلعل ما لابن عبد السلام إنما هو إذا أبى أن يحلف أنه ما بين له أنه يبيع ملك الغير لتكون العهدة على ذلك الغير لا على الغائب والله أعلم‏.‏

تنبيهان‏:‏

الأول‏:‏ قال البرزلي‏:‏ ومن ابتاع ثياباً وسافر بها لمصر مثلاً فوجد ببعضها عيباً فإنه يشهد على المعيب منها ويبيعها على بائعها لا أنه رضي بها فإن رجع قام على البائع فإن دلس فعليه كراؤها‏.‏ وإن لم يدلس فلا كراء عليه اه‏.‏ يعني عليه كراؤها وما نقصه العيب انظر تمامه في الكراس السادس من بيوعه فإنه زاد إثر ما مر ما نصه‏:‏ إن كان النقص يسيراً ردها ولا شيء عليه، ونقلها على البائع وإن كان له مؤنة كثيرة فهو كالعيب الكثير يحدث فيخير بين الأخذ والإمساك والرجوع بقيمة العيب أو يردها، وقيمة العيب وردها لموضعها هو قيمة العيب وسواء دلس أم لا اه‏.‏

الثاني‏:‏ قال في نوازل الزياتي‏:‏ سئل الفقيه أبو جعفر عمر الزويري عن السلعة المبيعة إذا ردت بعيب وضاعت في الطريق بسرقة أو لصوص أو غير ذلك فممن يكون الضمان‏؟‏ فقال‏:‏ إذا ردها المبتاع لم يفعل فعلاً يدل على رضاه فهي مصيبة نزلت للبائع اه‏.‏

وكامِنٌ يَبدُو مع التَّغْيِيرِ *** كَالسُّوسِ لاَ يُرَدُّ فِي المَأْثُورِ

‏(‏و‏)‏ عيب ‏(‏كامن‏)‏ يستوي المتبايعان في الجهل به عند العقد و‏(‏يبدو‏)‏ ويظهر ‏(‏مع التغيير كالسوس‏)‏ يظهر في الخشب بعد شقه والفساد يظهر في الجوز بعد كسره والقثاء تظهر مرارتها بعد كسرها ‏(‏لا يرد في المأثور‏)‏ من المذهب، ومفهوم قوله يبدو مع التغيير أنه إذا كان يعرف فساده قبل التغيير كالبيض فإنه يرد ‏(‏خ‏)‏ عاطفاً على ما لا رد به، وما لا يطلع عليه إلا بتغيير كسوس الخشب والجوز ومر قثاء ورد البيض الخ‏.‏ وما مر من عدم الرد إنما هو إذا لم يشترط المشتري السلامة من ذلك، وإلاَّ فله الرد والعادة كالشرط، ولذا تجد الناس اليوم يردون القثاء بسبب مرارتها بل ذكر البرزلي عن ابن المواز ما نصه‏:‏ إذا ابتاع قثاء فوجده كله مرّاً فإنه يرده بذلك لأن صاحبه يعرفه اه‏.‏ ويدخل تحت الكاف أيضاً من اشترى شاة فوجدها عجفاء أو جوفها أخضر فإنه لا رد له كما في سماع أشهب قاله ‏(‏ق‏)‏ قال‏:‏ وانظر اضطراب الشيوخ فيمن اشترى أضحية فوجدها عجفاء لا تجزىء أضحية في باب العيوب من ابن سهل اه‏.‏ فرع‏:‏ قال ‏(‏عج‏)‏‏:‏ من اشترى شعيراً بشرط أنه للزراعة أو في أبانها بثمن ما يراد لها فلم ينبت فإن كان البائع مدلساً رجع عليه المشتري بجميع الثمن وأجرة الأرض وما صرفه في زرعه، وإن كان غير مدلس فإن كان المبيع لا ينتفع به في غيرها كزريعة الحناء والبرسيم رجع المشتري بثمنه ولا يدفع عوضاً للمبيع، وإن كان ينتفع به في غيرها كأكله أو علفه، فهل يرجع بثمن الجميع أيضاً، ولكن يرجع البائع بمثل متاعه وهو قول ابن القاسم، أو يرجع المبتاع بما بين قيمته نابتاً وغير نابت من الثمن وهو قول سحنون‏.‏ قولان اه‏.‏ وقال ابن عبد الرفيع‏:‏ يقال لمن اشترى زريعة فلم تنبت أثبت أنك زرعت الزريعة التي اشتريتها من هذا بعينها، وأنك زرعتها في الأبان، وفي أرض ثرية، وأنها لم تنبت ولك الرجوع اه‏.‏ ونقله ‏(‏م‏)‏ عن القلشاني وأصله في الجزيرية كما في البرزلي قال فيمن ابتاع زريعة بصل، وزعم المشتري أنها لم تنبت ما نصه‏:‏ إن كانت البينة لم تفارقه حتى زرعها في أرض مذللة ناعمة ولم يضيع سقيها في وقت السقي رجع بالثمن على البائع، ولم يكن عليه مثل زريعته إذ لا فائدة فيها، وإن فارقته البينة ونظر العدول إلى الأرض ورأوها لم يصلح نباتها حلف البائع أنه لم يغره وأنه أعطاه زريعة جيدة في علمه، وإن لم يكن هذا ولا هذا فلا يمين فيها اه‏.‏ وهذا كله إذا لم يبق من الزرع شيء وإلاَّ فيجرب ليعلم صدق المشتري أو كذبه كما لابن رشد قال‏:‏ فإن عرف كذبه فلا شيء له، وإن عرف صدقه بالتجربة المذكورة رجع بقيمة العيب إن لم يدلس البائع وإن دلس رجع بجميع الثمن اه‏.‏ ففيه إشارة إلى ترجيح قول سحنون المتقدم، وقول ‏(‏عج‏)‏ أو في إبانها الخ‏.‏ يعني لأنه إذا اشتراها في الإبان فكأنه اشترط زراعتها كمن اشترى ثوراً في إبان الحراثة فوجده لا يحرث فإن له رده، وإن لم يشترط أنه للحراثة قاله ابن الحاج وغيره، وزراعة دود الحرير يذكر بائعها أنها جيدة ثم يظهر نسجها فاسداً تجري على ما تقدم من زراعة الحناء ونحوها قاله ‏(‏ت‏)‏‏.‏

قلت‏:‏ بل ولو لم يذكر بائعها ذلك لأنها إنما تشترى في الأبان على أن نسجها صالح كمسألة الثور المتقدمة والله أعلم‏.‏ وانظر العلمي في المحاباة والتوليج‏.‏

وَالبَقُّ عَيْبٌ مِنْ عُيُوبِ الدُّورِ *** وَيُوجِبُ الرَّدَّ عَلَى المَشْهُورِ

‏(‏والبق‏)‏ والنمل ‏(‏عيب من عيوب الدور ويوجب الرد على المشهور‏)‏ ومراده بالمشهور ما وقع الحكم به لا المشهور المصطلح عليه من كونه الذي قوي دليله أو كثر قائله أو مذهب المدونة، وظاهره أن البق عيب ولو قل، والذي في الطرر ناقلاً عن الموازية هو ما نصه‏:‏ وسوء الجار في الدار المكتراة عيب إذا لم يعلم به وقال غيره‏:‏ ليس ذلك عيباً في المبيع وقد قال أبو صالح الجواني‏:‏ سمعت مالكاً يقول‏:‏ ترد الدار من سوء الجيران والحفرة، والبئر والمرحاض بقرب حيطان الدار عيب، وكذا جرى ماء غيرها عليها عيب فيها وكثرة البق عيب فيها، ونزلت بقرطبة وحكم بردها‏.‏ وأخبرني الثقات أن العمل بقرطبة أيضاً برد السرير المبقق وإن نحت وبيع ولم يبين رد أيضاً وحكم به فيها‏.‏ وعن ابن عبد الغفور عن بعض أصحابنا أن كثرة القمل في الثياب ترد به بزاً كانت أو صوفاً أو كتاناً المشاور والغفائر الغسيلة المصبوغة بالسواد إن بين بائعها وإلاَّ وجب الرد لأنه عيب وغش قال‏:‏ والصيبان في الثوب عيب لأنه ملازم كالقمل اه‏.‏ بنقل البرزلي، فظاهره أن قليل البق لا رد به، ولذا أصلحه ولده بقوله‏:‏

وكثرة البق تعيب الدورا *** وتوجب الرد لأهل الشورى

قلت‏:‏ لعل الناظم فهم أن التعبير بالكثرة في النص غير مقصود، ويدل له ما قاله في السرير وما ذاك إلا لكون البق لا ينضبط ولا يستقر على حال، فهو وإن قل في وقت يكثر في الحين فما للناظم من الإطلاق أحسن وما ذكره في الجار السوء نحوه في العتبية‏.‏ قال ابن رشد‏:‏ المحنة بالجار السوء عظيمة، وقد روي عن مالك أن الدار ترد من سوء الجار اه‏.‏ باختصار‏.‏ ثم قال البرزلي‏:‏ وفي المجالس أن من ابتاع داراً بمدينة أو قرية بناحية واد فحمل الوادي في بعض الزمان ووصل إليها، فإن ثبت أنه بلغ إليها فيما مضى ولو مرة كان له ردها، وإن لم يعلم ذلك فهي مصيبة نزلت بالمبتاع‏.‏ ولابن رشد فيمن ابتاع كرماً فظهر أنه شارف فقال‏:‏ إنه من العيوب الظاهرة التي لا رد بها، وفي الطرر أن الرحى المتربة ترد بكل حال علم المشتري بتتريبها أم لا‏.‏ لأنه لا نفع بها إذ هي إنما تباع للطحن فإذا كانت متربة لم تسو إلا قيمة حجر ملقى، فإن فاتت رجع بقدر العيب وهذا القول أولى وبه العمل اه‏.‏ وفي الكراس الثاني من معاوضات المعيار أن الدار المعتادة لنزول الأجناد ترد لأن ذلك عيب، وفي المعيار أيضاً أن الحديد إذا وجده مبتاعه أحرش فإن له رده على بائعه، وهكذا حتى يرد على الذي أخرجه من المعدن، وما مر من أن النمل ترد به كالبق هو ما أفتى به ابن لب قائلاً‏:‏ إذا قال الجيران إن ذلك قديم بها يظهر من فصل الربيع إلى الخريف الخ‏.‏ وهذا كله يدخل تحت قول الناظم فيما مر‏:‏ وكل عيب ينقص الأثمانا الخ‏.‏ لكن لا تجد أحداً عندنا اليوم يقوم بعيب البق والنمل ولعله لعدم نقصان ثمن الدار بذلك عادة عندهم، وأما قتل الإنسان في دار أو بستان فإن ذلك ليس عيباً فلا حجة للمشتري في أن الدار صارت بسبب القتل المذكور موحشة تنفر النفوس منها وتظهر للعيال بسبب ذلك خيالات ونحو ذلك كما في الشارح‏.‏

وَأُجْرَةُ السِّمْسَارِ تُسْتَرَدُّ *** حَيْثُ يَكونُ لِلْمَبِيعِ رَدُّ

‏(‏وأجرة السمسار تسترد حيث يكون للمبيع رد‏)‏ وهذا إذا كانت الأجرة على وجه الجعالة ولم يدلس وكان الرد بالبيع بحكم حاكم فإن دلس البائع فلا يرد السمسار الجعل ما لم يتفق مع البائع على التدليس فإنه يرده قاله في المتيطية، وكذا لا يرد الجعل إن كان على وجه الإجارة كما لو أجره بدرهم على سمسرة الدار عشرة أيام مثلاً وبيعت في آخرها، ثم ردت بعيب فإن بيعت في أثنائها فله من الدرهم بحساب ذلك، وكذا إن قبله البائع يغير حكم فإنه لا يرده كما لو أقاله أو استحق قاله في المتيطية أيضاً‏.‏ قال فيها أيضاً‏:‏ وللسمسار تحليف البائع أنه لم يدلس اه‏.‏ قال ‏(‏ز‏)‏‏:‏ وأما ما دفعه المشتري حلاوة للسمسار على تحصيل المبيع فلا يرجع به إلا أن يعلم السمسار عيباً بالمبيع اه‏.‏ أي‏:‏ وللمشتري تحليفه على عدم علمه به أيضاً فإن نادى السمسار على السلعة فلم يجد فيها البيع وردها إلى ربها فباعها ربها بالذي وقعت عليه أو بأقل أو بأكثر، فإن باعها في ذلك السوق بالقرب فللسمسار الجعل وإن باعها بعد بعُد أو في غير ذلك السوق فلا جعل له قاله في المعيار‏.‏

وَحَيْثُمَا عَيَّنَ قَاضٍ شُهِدَا *** لِلْعَيْبِ فَالإعْذَارُ فِيهِمْ عُهِدَا

‏(‏وحيثما عين قاض شهدا للعيب‏)‏ أي لإثباته وشهدوا به ‏(‏فالإعذار‏)‏ والقدح ‏(‏فيهم‏)‏ من جهة المعرفة وبجرحة الكذب ‏(‏عهدا‏)‏ عند الأئمة لا من جهة العدالة لأنه مدخول فيهم على عدمها كما مر عند قوله‏:‏ ثم العيوب كلها لا تعتبر الخ‏.‏ فالإعذار المعهود فيهم ولو مشركين إنما هو من جهة المعرفة والكذب لا من جهة العدالة‏.‏ قال في المتيطية‏:‏ والإعذار فيهم من طريق العلم لا من طريق العدالة فإن أتى البائع ممن هو أعلم من هؤلاء الشهود سمع منه وإلاَّ فلا حجة له اه‏.‏ وكلامه صريح في كونهم موجهين من قبل القاضي لأنهم إذا لم يكونوا موجهين من قبله، بل أوقفهم المبتاع من ذات نفسه فلا يقبل غير العدول باتفاق من مالك وأصحابه كما صرح به هو نفسه، والإعذار فيهم حينئذ من جهة العدالة والمعرفة فالتفصيل في الإعذار من طريق العلم لا من طريق العدالة إنما هو في شهود العيب الموجهين من قبل القاضي، وإذا علمت هذا فما في ابن سلمون من أنهما إذا كان القاضي قد نصبهما إلى ذلك فشهدا عنده بالعيب، وأراد البائع أن يعذر إليه في شهادتهما ويدعو غيرهما إلى الشهادة عند القاضي فليس له ذلك اه‏.‏ مخالف لما مر عن المتيطية والناظم فيجب حمله على ما إذا أراد الإعذار فيهم من جهة العدالة، فإذا قدح فيهما وأبطل شهادتهما دعا غيرهما إلى الشهادة بنقيض ما شهد به المقدوح فيهما، وإلاَّ فهو مخالف للمذهب لأن أرباب البصر إنما يشهدان بما خلص لهما باجتهادهما وقد يخطئان هذا في المعروفين بالتقوى والدين، فكيف بمن عرف بعدم العدالة أو كان مشركاً بخلاف الموجهين للحيازة والتحليف فيشهدان بأمر محسوس لا اجتهاد فيه والله أعلم‏.‏

تنبيه‏:‏

إذا شهد أرباب البصر بأنه عيب وأنه ينقص من الثمن كثيراً جازت الشهادة، وقيل إنما على الطبيب صفة الداء خاصة وأنه قديم وأما نقصان الثمن فيشهد به عدلان سواء بعد أن يصف لهما الداء لأن الضرورة قد ارتفعت في هذه الزيادة قال بعض الموثقين‏:‏ والأول أحسن لأن من لا يدري الداء كيف يدري نقص الثمن بسببه قاله في النهاية‏.‏ وانظر اعتراض ابن سهل فيها أيضاً وفي الباب الثامن والخمسين من التبصرة وبعضه في العمل المطلق‏.‏ وقال ابن سلمون‏:‏ إن كان الطبيبان لا يعرفان القيمة فيشهد الطبيبان بالعيب ويشهد عدلان من أهل المعرفة بالقيمة بنقص الثمن اه‏.‏ فمفهومه أنهما إذا كانا يعرفان القيمة فتقبل شهادتهما في العيب والقيمة، وهذا يبين كلام الغرناطي الذي قدمناه عند قوله‏:‏ ثم العيوب كلها لا تعتبر الخ‏.‏

فصل في الغبن

بفتح الغين وسكون الباء الموحدة وهو عبارة عن شراء السلعة بأكثر من القيمة بكثير فيغبن المشتري أو يبيع بأقل من القيمة بكثير فيغبن البائع قاله ‏(‏م‏)‏ وهو يقتضي أن لكل من البائع والمشتري القيام بالغبن‏.‏ ولا يقال الثمن يتبع الرغبات فقد يرغب المشتري في الشيء فيعطي فيه أكثر من قيمته بكثير، فكيف يصدق في الغبن وأنه لم يكن له رغبة فيه‏؟‏ لأنا نقول ثبوت كونه جاهلاً بالقيمة ينفي عنه إذ لا يقال زاد على القيمة للرغبة حتى يكون عارفاً بها، وإذا قلنا إن كلاً من العوضين مبيع بالآخر كما مرّ أول البيوع فيكون هذا الحد شاملاً لما تقدم في فصل بيع العروض من قوله‏:‏ وبيع ما يجهل ذاتاً بالرضا الخ‏.‏ فإذا جرى العمل بالقيام بالغبن في الثمن فكذلك يجري به في المثمن كما مر التنبيه عليه والله أعلم‏.‏ ثم المشهور عدم القيام بالغبن كما قال ‏(‏ خ‏)‏ ولم يرد بغلط إن سمي باسمه ولا بغبن ولو خالف العادة الخ‏.‏ وهذا كله إذا لم يستأمنه ويخبره بجهله بالقيمة فيقول له‏:‏ إن قيمته كذا والأمر بخلافه، وإلاَّ فله القيام باتفاق عند ابن رشد من غير شرط من الشروط الآتية فمحل الشروط إنما هو إذا درجنا على مقابل المشهور كما قال‏:‏

وَمَنْ بِغَبْنٍ في مَبِيعٍ قَامَا *** فَشَرْطُهُ أنْ لاَ يَجُوزَ العَامَا

‏(‏ومن يغبن في مبيع‏)‏ عقاراً أو حيواناً أو غيرهما ‏(‏قاما‏)‏ وأراد الرد به ‏(‏فشرطه‏)‏ أي القيام به ‏(‏أن لا يجوز العاما /

وَأَنْ يَكُونَ جَاهِلاً بِمَا صَنعْ *** وَاغَبْنُ بالثُلْثِ فَمَا زَادَ وَقَعْ

وأن يكون‏)‏ القائم ‏(‏جاهلاً بما صنع‏)‏ من بيعه بأقل من القيمة أو شرائه بأكثر منها ‏(‏و‏)‏ أن يكون ‏(‏الغبن بالثلث‏)‏ يتعلق بقوله وقع ‏(‏فما زاد وقع‏)‏ وقيل‏:‏ لا قيام به إلا إذا زاد على الثلث، وقيل يقام به مطلقاً وعلى ما للناظم فالثلث هنا كثير فيزاد على قول ابن غازي‏:‏

والثلث نزر في سوى المعاقله *** وفي الجوائح وحمل العاقله

وكذا يزاد عليه ما مر في قول الناظم في عيب الأصول‏:‏

وإن يكن لنقص ثلثه اقتضى *** فما علا فالرد حتم بالقضا الخ

وظاهر النظم أنه إذا وجدت الشروط الثلاثة ثبت له القيام كان البيع بالمزايدة أو بالمساومة عرض البائع سلعته على أناس شتى أم لا‏.‏ والذي في الكراس الثالث من معاوضات المعيار مسلماً ما نصه‏:‏ سئل الفقيه بركات البازوي عن القيام بالغبن هل يعم جميع البيوع أو يختص بغير بيع المزايدة، وهل يتنزل منزل بيع المزايدة تعويض صاحب السلعة ببيعها على أناس شتى وترغيبه إياهم فيها وهي أصل أو غيره، وهل تنفع شهادة من عرضت عليه إن أنكر القائم ذلك‏؟‏ فأجاب‏:‏ أما بيع المزايدة فلا يتصور فيه غبن وكذلك غيره في معروف المذهب ولا بيع الاستئمان، وفيه ورد الحديث‏:‏ ومشهر سلعته لا غبن فيه، وشهادة من عرضت عليه حائزة اه‏.‏ فقوله‏:‏ لا يتصور فيه غبن يعني اتفاقاً بدليل قوله‏:‏ وكذلك غيره في معروف المذهب لأنه إنما حكى الخلاف في غيره وهو المساومة، وقوله‏:‏ ولا بيع الاستئمان الخ‏.‏ إنما يتمشى على ما لابن عبد السلام من أن المشهور عدم القيام بالغبن، وظاهره ولو استأمنه واسترسله، وبالجملة فهذه الفتوى جارية في بيع المساومة على المشهور وفي الاستئمان على ظاهر ما لابن عبد السلام، والمقصود منها أن بيع المزايدة لا يتصور فيه غبن وما ذاك إلا لكون قيمته هي ما وقفت عليه، ولا سيما في الأصول بعد المناداة عليها الشهر والشهرين، ويؤيده ما مر عن السيوري وابن رشد في البيع على الغائب والمحجور والمفلس بعد المناداة وعدم إلغاء زائد خلافاً لما في الكراس الثاني عشر من المعيار أيضاً عن ابن البراء من أن الغائب له القيام بالغبن إذا أثبته اللهم إلا أن يحمل ما لابن البراء على أن الغرماء باعوا بغير تسويق ولا مناداة إذ ليس في السؤال أنهم باعوا الدار بعد تسويقها فيكون حينئذ موافقاً لما قبله والله أعلم‏.‏ وإذا علمت هذا بطل ما يفعله أرباب البصر من شهادتهم بالغبن في الدور والأجنات التي وقع النداء عليها الشهر والشهرين ونحو ذلك، وقوله‏:‏ ولا بيع الاستئمان الخ‏.‏ تقدم أن هذا محل اتفاق عند ابن رشد، وأنه لا يحتاج فيه لشرط، والاستئمان والاسترسال والاستسلام بمعنى واحد خلافاً فالظاهر ‏(‏خ‏)‏ وقوله‏:‏ وفيه ورد الحديث يعني قوله ‏(‏صلى الله عليه وسلم‏)‏‏:‏ ‏(‏عين المسترسل ظلم‏)‏ الخ‏.‏ والاسترسال أن يقول له‏:‏ بعني كما تبيع الناس أو اشتر مني كما تشتري من الناس‏.‏ فيقول‏:‏ نشتري من الناس بكذا ونبيع منهم بكذا، ويظهر الأمر بخلاف ذلك‏.‏

تنبيهات‏:‏

الأول‏:‏ كلام الناظم إنما هو في الغبن الواقع في بيع الرشيد متاع نفسه، وأما بيع الوصي والوكيل فالغبن فيه ما نقص عن القيمة نقصاً بيناً، وإن لم يبلغ الثلث‏.‏ وتأمل قول ‏(‏خ‏)‏ في الوكالة‏:‏ وتعين في المطلق نقد البلد ولائق به وثمن المثل الخ‏.‏ وانظر ‏(‏ح‏)‏ وشراح نظم العمل قبل جامع مسائل من أبواب قال ‏(‏ق‏)‏‏:‏ وانظر قد نصوا أن بيت المال أولى ما يحتاط له، فالبيع عليه كالبيع على المحجور قال‏:‏ وانظر إذا لم يقم المحجور إلا بعد أعوام، فقد سئل ابن لب عن دار مشتركة بين قوم منهم مالك أمر نفسه، ومنهم محجور باعوها من الغير ثم قاموا عليه بعد أعوام‏؟‏ فأجاب‏:‏ بأن المالك أمر نفسه مرور العام قاطع لحكم قيامه، وأما المحجور فينظر له، لكن ترك الوصي النظر لمحجوره من غير عذر معلوم كأنه مشعر بتفريط حق المحجور بطول المدة وتصرف المشتري طول عمارته في ذلك، فالصواب أن لا يتعرض للمشتري وأن تكون التباعة للمحجور بما نقصه على الناظر عليه اه‏.‏ فظاهره أنه لا تباعة له على المشتري ولا ينقض البيع ولو لم يفت وهو مخالف لما في نوازل العلمي عن المجاصي وغيره من أن طول المدة لا يضر، يعني إذا قام قبل مضي العام من رشده قال‏:‏ فإن فات المبيع فلا ينقض البيع فيه، وإنما تكمل القيمة على المشتري فإن تعذر تكميلها فعلى الناظر على المحجور أيّاً كان أو غيره لتفريطه وليحتفظ القاضي على عدم نقض العقود ما استطاع فإنها لا تنتقض إلا بالأمر البين اه‏.‏ فعلم منه أن طول المدة إنما يمنع القيام مع الفوات لا مع عدمه، وعليه يحمل قول العلمي أواخر البيوع من نوازله ما نصه‏:‏ وأما السفيه يبيع عنه وصيه فله القيام ولو بعد السنة إذا باع بما لا يتغابن الناس بمثله ولو لم يبلغ الثلث اه‏.‏ وهذا كله إذا تحقق الغبن مع طول المدة ولم يقع فيه اشتباه ولا شك، وإلاَّ ففيه أيضاً بعد هذا عن سيدي العربي يرد له في محجور قام بالغبن ما نصه‏:‏ القيام بالغبن فيما باعه الإنسان من غيره معمول به، لكن مع طول المدة وهو ضعيف من جهة عدم تحققه لأن الناس سيما العامة يغلب عليهم الميل إلى الحالة الراهنة، ويشتبه عليهم حال المدة الماضية لا سيما مع طول المدة، فإذا كان الشيء في الحال مغتبطاً به فربما توهموا أن الاغتباط فيه قديم، ففتح القيام بالغبن مع طول المدة يتسع معه الخرق، لكنني لم أقف على النص في عينها، والله أعلم‏.‏

قلت‏:‏ ولعمري أن هذا لهو الحق لأن الغبن إذا كان يعتبر يوم العقد ومضت المدة المديدة فكيف يمكنهم الجزم بوجود الغبن وقت العقد ولا سيما مع قلة ديانة أرباب البصر في هذا الوقت، ولعل هذا المعنى هو الذي تلمحه ابن لب في فتواه المتقدمة حتى قال‏:‏ إنه لا يتعرض للمشتري وإنما التباعة على الناظر، وما ذاك إلا لعدم تحقق وجوده مع طول المدة المديدة، وإلاَّ فيفسخ البيع إن لم يفت فإن فات فالتباعة على المشتري أو وجد ملياً وإلا فعلى الناظر كما مر فالناظر متأخر في الغرامة قطعاً لأنه كواهب لمال غيره والله أعلم‏.‏

الثاني‏:‏ قال سيدي محمد بن عبد الصادق في شرحه على المختصر ما نصه‏:‏ الغبن على القول به إنما يعتبر يوم البيع فلا يعتبر تغير الأسواق بعد ذلك، وعليه فما وقع في عصرنا هذا في شراء الغلة الصيفية وكذلك شراؤهم ورق التوت ومن يشتري ذلك الغالب عليهم أنهم من أهل المعرفة بأثمان ذلك، فحصل كساد كبير أذهب رؤوس الأموال لأربابها فقاموا بذلك فأفتوا بأنهم لا قيام لهم لأنه ليس بجائحة، ولأن الغبن يعتبر فيه وقت العقد، ولأن المشتري لذلك من أهل المعرفة اه‏.‏

الثالث‏:‏ ما تقدم من أن الناظر يغرم هو أحد قولين‏.‏ قال البرزلي عقب قول ابن رشد‏:‏ والوصي قد أخطأ على مال الأيتام يعني حيث باعه بغبن ما نصه‏:‏ يريد بعد اجتهاد فلا ضمان عليه ويغرم من حصل تحت يده مع الفوت كما إذا أنفق التركة على الأيتام، ثم ظهر دين ويتخرج على ما في كتاب ابن المواز من كتاب الوصايا أن الوصي هنا يغرم ولا يغرم من حصل في يده لأنه جعل الوصي يغرم في الخطأ وهو يجري على الخلاف في المجتهد يخطىء هل يعزر بخطئه أم لا اه‏.‏ فتأمله مع ما تقدم عن ابن لب والمجاصي وقال ‏(‏ز‏)‏ في باب الغصب‏:‏ لا شيء على مجتهد أتلف شيئاً بفتواه ويضمن غيره إن انتصب وإلا فقولان‏.‏ وانظر القسم الثالث من تبصرة ابن فرحون قال فيه ما يخالفه‏.‏

وَعِنْدَ ذَا يُفْسَخُ بِالأَحْكَامِ *** وَلَيْسَ لِلْعَارِفِ مِنْ قِيَامِ

‏(‏وعند ذا‏)‏ أي عند اجتماع الشروط المذكورة ‏(‏يفسخ‏)‏ البيع ‏(‏بالأحكام‏)‏ وظاهره ولو تمم المشتري القيمة وهو كذلك ومحل فسخه ما لم يفت بيد مشتريه بشيء من مفوتات البيع الفاسد، وإلاَّ فيتعين الرجوع بتمام القيمة كما مرّ وقاله ابن رشد وصرح به ابن سلمون وغيره خلاف ما يوهمه ‏(‏ح‏)‏ في آخر كلامه حيث قال‏:‏ وأما القيام بالغبن يفوت بالبيع الخ‏.‏ فإنه يجب تأويله بأن المعنى والقيام بفسخ البيع بالغبن يفوت بالبيع الخ‏.‏ لا الرجوع بتمام القيمة فإنه لا يفوته، ثم إذا فسخ البيع حيث لم يفت فلا شفعة لمن رجعت له حصته فيما باع شريكه بعد الغبن وقبل نقضه ولا لشريكه شفعة أيضاً فيما رجع لمالكه قاله ابن رشد، ‏(‏ح‏)‏ والبرزلي وابن عرفة وغيرهم‏.‏ ‏(‏وليس للعارف‏)‏ بقيمة المبيع ‏(‏من قيام‏)‏ بالغبن إلا أن يستأمنه ويسترسله فله القيام، ولو كان عارفاً كما مر، وهذا مفهوم قوله‏:‏ وأن يكون جاهلاً بما صنع‏.‏

فصل في الشفعة

بضم فسكون من الشفع وهو ضد الوتر لأن الآخذ بها يضم حصة غيره إلى حصة نفسه فصارت شفعاً بعد أن كانت وتراً والشافع هو الجاعل الوتر شفعاً، والشفيع فعيل بمعنى فاعل‏.‏ ابن عرفة‏:‏ هي استحقاق شريك أخذ مبيع شريكه بثمنه الخ‏.‏ والمراد بالاستحقاق هنا ثبوت حالة للشريك استحق بها الأخذ بسبب البيع لا ما ذكره هو في حد الاستحقاق من قوله‏:‏ رفع ملك شيء بثبوت ملك قبله الخ‏.‏

وَفِي الأَصُولِ شُفْعَةٌ مِمَّا شُرعْ *** في ذِي الشَّيَاعِ وَبِحَدَ تَمْتَنِعْ

‏(‏وفي الأصول‏)‏ الأرض وما اتصل بها من بناء وشجر ‏(‏شفعة‏)‏ مبتدأ والمجرور قبله يتعلق به ‏(‏مما شرع‏)‏ خبر ‏(‏في ذي الشياع‏)‏ يتعلق به، والمعنى أن الشفعة في الأصول مشروعة في ذي الشياع منها حين البيع لا أنها إنما تجب للشريك بجزء شائع لا بأذرع معينة أو غير معينة كما في ‏(‏ح‏)‏ أوائل الشفعة، ومن ادعى الشياع فعليه إثباته ليشفع، وإنما تجب أيضاً إذا استمر الشياع إلى حين البيع كما قال‏:‏ ‏(‏وبحد تمتنع‏)‏ أي فلا شفعة فيما قسم وضربت حدوده وصرفت طرقه كما في الحديث لأن كل واحد صار جاراً للآخر، ولا شفعة للجار كما يأتي‏.‏ وظاهره أن ذا الشياع من الأصول فيه الشفعة كان يقبل القسمة أو لا يقبلها، لكن إذا كان يقبلها ففيه الشفعة باتفاق، وكذا إن كان لا يقبلها في نفسه إلا بفساد وهو تابع لما يقبلها فمحل اتفاق أيضاً كما قال‏:‏

وَمِثْلُ بِئْرٍ وَكَفَحْلِ النَّخْلِ *** تَدْخُلُ فِيهَا تَبعَاً لِلأَصْلِ

‏(‏ومثل بئر وكفحل‏)‏ أي ذكار ‏(‏النخل‏)‏ وأدخلت الكاف ساحة الدار وطريق الدار والبستان ونحو ذلك مما هو تابع لما يقبلها ‏(‏تدخل‏)‏ الشفعة ‏(‏فيها‏)‏ أي المذكورات ‏(‏تبعاً للأصل‏)‏ الذي يقبل القسمة، فإذا باع أحد الشريكين نصيبه من البئر والأرض التي تزرع عليها أو من النخيل والفحل أو من الساحة والدار أو من الطريق والبستان، فإن للشريك الشفعة في التابع والمتبوع اتفاقاً‏.‏

وَالمَاءُ تَابِعٌ لَهَا فِيهِ احْكُمْ *** وَوَحْدُهُ إنْ أَرْضُهُ لَمْ تُقْسَمِ

‏(‏والماء‏)‏ الجاري كالعين والساقية من النهر ونحوهما حال كون ذلك الماء ‏(‏تابع لها‏)‏ أي للأصول التي تسقى به وتزرع عليه ‏(‏فيه‏)‏ أي في ذلك الماء ‏(‏احكم‏)‏ بالشفعة أيضاً إذا بيع مع متبوعه لأن هذا التابع المذكور، وإن كان لا يقبل القسمة في نفسه لكنه حكم له بحكم متبوعه حيث بيع معه اتفاقاً ‏(‏و‏)‏ كذا يحكم له بحكمه اتفاقاً أيضاً إذا بيع ‏(‏وحده أن أرضه‏)‏ ونحوها من المتبوعات ‏(‏لم تقسم‏)‏ ماء كان ذلك التابع الذي لم يقسم متبوعه أو بئراً أو فحلاً أو ساحة أو طريقاً، فإن بيع التابع بعد قسم متبوعه ففيه خلاف‏.‏ اللخمي‏:‏ فإن باع أحدهما حظه من الساحة خاصة بعد قسم البيوت كان لشريكه أن يرد بيعه إذا بقي البائع يتصرف إلى البيوت كما كان لأن ذلك ضرر، وإن كان قد أسقط تصرفه من الساحة وتصرف إلى بيوته من دار أخرى، فإن كان بيعه من أهل الدار جاز ولبقية إشراكه الشفعة على أحد قولين في وجوب الشفعة فيما لم ينقسم، وإن كان بيعه من غير أهل الدار فلهم الأخذ بالشفعة أو فسخ بيعه اه‏.‏ وفي الموازية إن قسمت الشجرة فلا شفعة في محل النخل الباقي ولا في ذكار الشجر، وإن كانت مشاعة ففي الفحل والذكار الشفعة وهو كالبئر والعين لا شفعة فيهما إلا أن تكون الأرض مشاعة اه‏.‏ وفي الموازية إنما هو على أنه لا شفعة فيما لا ينقسم الذي صدر به ‏(‏خ‏)‏ حيث قال ما نصه‏:‏ إن انقسم وفيها الإطلاق وعمل به وإلى كون الشفعة جارية فيما لا ينقسم ويدخل في ذلك جميع التوابع المذكورة أشار الناظم بقوله‏:‏

وَالفُرْنُ وَالحَمَّامُ وَالرَّحى القَضَا *** بالأَخْذِ بالشُّفْعَةِ فِيهَا قَدْ مَضَى

لأنه قول مالك وأشهب وابن الماجشون ومقابله لابن القاسم وأنه لا شفعة وهو المشهور كما صدر به ‏(‏خ‏)‏‏.‏ الباجي‏:‏ الخلاف في ذلك جار على الاختلاف في الشفعة فيما لا ينقسم كالنخلة والشجرة إذ لا تقسم العين والبئر كما لا تقسم النخلة والشجرة، وقال الرجراجي‏:‏ من هذا المعنى اختلافهم في الحمام والبيت الصغير والدكان في السوق مما لا ينقسم إلا على ضرر مثل الرحى والشجرة الواحدة والنخلة الواحدة والماجل والبئر الواحدة إذا لم يكن معها أصل ولا أرض، وغير ذلك من الرباع والأصول التي لا تنقسم على قولين‏.‏ وجوب الشفعة وسقوطها وسبب الخلاف اختلافهم هل شرعت الشفعة لرفع ضرر القسمة أو ضرر الشركة‏؟‏ فمن قال بالثاني قال بالشفعة، ومن قال بالأول قال لا شفعة اه‏.‏ باختصار‏.‏ ونحوه في الكافي قائلاً‏:‏ والأشهر عن مالك وجوب الشفعة في الحمام، وفي كل ما لا يحمل القسمة اه‏.‏ وإذا تقرر هذا علمت أنه لا خصوصية للفرن والحمام والرحى، بل المدار على كونه لا يقبل القسمة فيدخل في ذلك جميع التوابع المذكورة كما مر، وسواء كانت البئر واحدة أو متعددة كان لها فناء أم لا‏.‏ قال في العمل المطلق‏:‏

والأخذ بالشفعة في الحمام *** ونحوه نسب للإمام

قال في الشرح‏:‏ وقوله ونحوه يعني من الأرحية والآبار والعيون والشجرة الواحدة وشبه ذلك اه‏.‏ وكأن الناظم يقول‏:‏ التابع إذا بيع مع أصله ففيه الشفعة، وكذا إذا بيع وحده ولم يقسم متبوعه فإن قسم ففيه خلاف، والذي به القضاء فيه وفي الفرن والحمام والرحى وما في معناها وجوب الشفعة، وهذا العمل هو الذي نبه عليه ‏(‏خ‏)‏ بقوله‏:‏ وفيها الإطلاق وعمل به الخ‏.‏ وفي المعيار عن العقباني ما نصه في مسألة ما لا يقبل القسمة اضطراب، ومذهب المدونة ثبوت الشفعة والعمل به أكثر وإن كان من الموثقين من أشار إلى أن عمل أهل قرطبة على القول الآخر، لكن الناس اليوم على ما ذكرت لك أولاً اه‏.‏ وبهذا كله تعلم ما في حاشية الرهوني من عدم الشفعة في الشجرة الواحدة ونحوها فإنه خلاف المعمول به‏.‏

تنبيه‏:‏

قول الناظم‏:‏ والرحى يعني إذا باع حظه من الأرض والحجر المبني فيها، وأما إذا بيع الحجر وحده فلا شفعة فيه انظر المتيطية والعمل المطلق‏.‏

وفي الثِّمَارِ شُفْعَةٌ إنْ تَنْقَسِمْ *** وَذَا إنِ المَشْهُورُ فِي ذَاكَ الْتُزِمْ

‏(‏وفي الثمار‏)‏ تباع مع الأصول مؤبرة يوم البيع أم لا، مزهية أم لا‏.‏ ‏(‏شفعة‏)‏ فيها وفي أشجارها ‏(‏إن تنقسم‏)‏ هي أي أشجارها أي قبلت القسمة ‏(‏وذا‏)‏ أي اشتراط القسم في أشجارها ‏(‏أن المشهور في ذاك التزم‏)‏ وهو ما صدر به ‏(‏خ‏)‏ في قول‏:‏ إن انقسم الخ‏.‏ ويدل على أن الضمير في تنقسم راجع لأصول الثمرة قوله‏:‏ إن المشهور الخ‏.‏ وقوله بعد‏:‏ ومثله مشترك الخ‏.‏ ولأن الثمار كلها قابلة للقسمة فلا وجه لاشتراط الانقسام فيها، ثم إذا اشتراها مع أصولها وهي لم تؤبر فقام الشفيع قبل أبارها أيضاً فيأخذها مع الأصول اتفاقاً، وكذا يأخذها معها إن قام بعد أبارها أو زهوها على المشهور، لكن بعد أن يغرم السقي والعلاج، وإن زاد على قيمتها والقول له فيما أنفق وإنما يأخذها من جهة الاستحقاق لا من جهة الاستشفاع إذ الثمرة لم تقع لها حصة من الثمن لأنها لم تكن مأبورة يوم البيع، ومقابله لأشهب أنها للمبتاع لأن الشفعة بيع جديد، وقد قال عليه السلام‏:‏ ‏(‏من باع نخلاً وفيها ثمرة قد أبرت فثمرها للبائع‏)‏ اه‏.‏ فإذا لم يقم الشفيع في هذه الحالة حتى فاتت باليبس فلا يحط للثمرة عنه شيء من الثمن لأنها يوم البيع لا ثمن لها‏.‏ ابن رشد‏:‏ المراد باليبس حصول وقت جذاذها للتيبيس إن كانت مما ييبس أو للأكل أخضر إن كانت مما لا ييبس إذ لا تيبس الثمرة في أصولها، وأما إن اشتراها مع أصولها وهي مأبورة أو مزهية فإنه يأخذها بالشفعة أيضاً بعد أن يغرم السقي والعلاج ما لم تفت باليبس فإن فاتت به فيحط عن الشفيع حصتها من الثمن‏.‏

وَمِثْلُهُ مشْتَرَكٌ مِع الثَّمَرْ *** لِلْيُبْس إنْ بَدْوِ الصَّلاَحِ قَدْ ظَهَرْ

‏(‏ومثله‏)‏ أي مثل ما ذكر من بيع الشريك حصته من الأصل والثمرة بيع ‏(‏مشترك من الثمر‏)‏ دون أصلها سواء كانت الشركة بسبب حبس أو هبة أو شراء أو مساقاة، فإن الشفعة ثابتة للشريك الذي لم يبع حصته منها وتنتهي شفعته ‏(‏لليبس‏)‏ فإن يبست فلا شفعة فيها‏.‏ ابن عرفة ظاهر الروايات أن المراد بيبسها ارتفاع منفعتها ببقائها في أصلها لا حضور وقت قطافها اه‏.‏ أبو الحسن‏:‏ كل ما بيع من سائر الثمار فلا شفعة فيه بعد يبسه كما لا جائحة فيه بعد ذلك بحيث يجب وضع الجائحة تحت الشفعة وحيث لا توضع تسقط الشفعة‏.‏ قال في كتاب الجوائح منها لو اشترى ذلك حين الزهو ثم أجيح بعد إمكان جذاذه ويبسه فلا جائحة فيه اه‏.‏ والظاهر أنه لا مخالفة بين ما لابن عرفة وما مر عن ابن رشد، ثم ما اقتصر عليه الناظم من أن شفعته تنتهي لليبس هو مذهب المدونة، وهو الذي صدر به ‏(‏خ‏)‏ وكلام ابن سلمون وغيره يفيد أنه المعتمد، ووقع فيها أيضاً أن له أخذها ما لم تجذ وهل خلاف‏؟‏ تأويلان‏.‏ وقوله‏:‏ ‏(‏إن بدو الصلاح‏)‏ فيه ‏(‏قد ظهر‏)‏ شرط في جواز بيع الثمرة حتى ترتب عليه الشفعة وإلاَّ فهو بيع فاسد لا شفعة فيه إلا بعد فواته بقيمته، ويدخل في الثمار المقاثي كما يأتي له التنصيص عليه والباذنجان والقرع والزيتون والقطن وورق التوت، ونحو ذلك من كل أصل ما له تجنى ثمرته ويبقى أصله فيخرج الزرع إلا الفول الذي يباع أخضر، فإن فيه الشفعة والجائحة كما لأبي الحسن‏.‏ قلت‏:‏ وعمل فاس على عدم الشفعة فيه قال ناظمه‏:‏

وورق التوت به الشفعة لا *** في الفول الأخضر على ما فصلا

تنبيهان‏:‏

الأول‏:‏ قال البرزلي‏:‏ كان ابن مغيث لا يرى الشفعة في القليب، وكان أبو المطرف يفتي بوجوب الشفعة فيه، وأفتى به بعض أصحابنا لأنه مما يثبت بالأرض بالثمرة اه‏.‏ ومراده بالقليب الأرض المقلوبة بدليل تشبيهه له بالثمرة‏.‏

الثاني‏:‏ الذي جرى به العمل بفاس ونواحيها أن الشفعة في الثمار الخريفية ولو لبيعها دون الصيفية فلا شفعة فيها ولو ليأكلها‏.‏ قال ناظم العمل‏:‏

وشفعة الخريف لا المصيف *** كذا التصدق على الشريف

أي‏:‏ كما جرى العمل بجواز الصدقة على الشريف، وإن كان المشهور أنها تحرم عليه كما قال ‏(‏خ‏)‏‏:‏ وحرمة الصدقتين عليه وعلى آله الخ‏.‏

وَلَمْ تُبِحْ لِلْجَارِ عِنْدَ الأَكْثَرِ *** وفي طَرِيقٍ مُنِعَت وَأَنْدَرِ

‏(‏ولم تبح‏)‏ الشفعة ‏(‏للجار عند الأكثر‏)‏ من العلماء كمالك والشافعي وغيرهما محتجين بالحديث المتقدم، وهو في البخاري ومسلم‏:‏ الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة، ومقابل الأكثر لأبي حنيفة قال‏:‏ يقدم الشريك في المنزل ثم الشريك في الطريق ثم الجار، واحتج بحديث‏:‏ ‏(‏الجار أحق بصقبه‏)‏‏.‏ والصقب القريب، وبحديث ‏(‏الجار أحق بشفعة جاره‏)‏‏.‏ وأجاب الأكثر عن الحديثين بأنه لم يبين الأحقية فيما ذا هي، فيحتمل أنه يريد أن يعرض ملكه عليه إذا أراد بيعه لحديث مسلم‏:‏ ‏(‏لا يحل لشريك أن يبيع حتى يؤذن شريكه‏)‏ الخ‏.‏ وإذا وقف على ثمن فهو أحق به أي قبل أن ينفذ البيع، فإذا نفذ البيع فلا شيء له كما يأتي قريباً، وما احتمل سقط به الاستدلال ولأن ذلك كما قال ابن شعبان‏:‏ يؤدي إلى أن تصير الشفعة بين أهل المدينة كلها لأن هذا لصيق والآخر لصيق لمن يليه، وكل جدار رجل يتصل بجدار الآخر، وهذا لا يقوله المخالف فبطلت حجته قاله في المتيطية‏.‏ بل تقدم أول الكتاب عن القرافي أن حكم العدل العالم بالشفعة للجار ينقض لضعف مدرك القول بها‏.‏ وقال ابن الماجشون‏:‏ إنه من الخطأ البين الذي ينقض به حكم الحاكم‏.‏ ‏(‏وفي طريق‏)‏ يمر عليها الشركاء باع أحدهم جميع داره ونصيبه في الطريق ‏(‏منعت‏)‏ لأن الطريق تبع للدار ولا شفعة له في المتبوع لكونه من الشفعة للجار، فكذلك تابعة، وكذا لو باع نصيبه في الطريق فقط وصار ينصرف لداره من محل آخر كما تقدم عن اللخمي في الساحة عند قوله‏:‏ إن أرضه لم تقسم‏.‏ ‏(‏و‏)‏ منعت أيضاً في ‏(‏أندر‏)‏ بفتح الهمزة والدال المهملة موضع تيبيس الثمر والزرع يكون مشتركاً بين أرباب الدور، فيبيع أحدهم داره مع حظه في الأندر، وهذا قول سحنون قائلاً لأنه كالفناء للدار فحكمه كالطريق، وقال ابن وهب وأشهب‏:‏ فيه الشفعة وبه صدر في المتيطية، وما ذكره الناظم في الطريق والأندر داخل في قوله‏:‏ ومثل بير وكفحل النخل الخ كما مرّ‏.‏ وقد تقدم أن العمل على وجوب الشفعة في تلك التوابع، وقد تقدم كلام اللخمي في الطريق والساحة وعليه المعول‏.‏

تنبيه‏:‏

الحائط الذي يكون بين دارين لرجلين والحائط وحده مشترك بينهما فباع داره مع حظه في الحائط، فإن فيه الشفعة على المذهب فتقوم الدار بغير نصف الحائط، وتقوم أيضاً به فما ناب نصف الحائط استشفع به، وقال ابن نافع‏:‏ لا شفعة فيه وعليه عول ناظم عمل فاس إذ قال‏:‏

وكالطريق الحائط المشترك *** ما بين دارين الشفيع يترك

قال في شرحه عن شيخه ابن سودة‏:‏ وإذا كانت فيه الشفعة فعلى ما يحمل المشتري خشبه وغيرها، وما نقله ‏(‏ق‏)‏ عن نوازل الشعبي من أن الدار تقوم بغير نصف الحائط لعله خلاف المذهب، ولم أر من حكم به قديماً ولا حديثاً اه‏.‏ باختصار‏.‏

قلت‏:‏ والناس اليوم على ما قاله ابن سودة فلم أر من يطلب الشفعة فيه وإن كان المذهب هو وجوبها له إن طلبها، ولعلهم لم يمكنوا منها فتركوا طلبها لذلك‏.‏

وَالْحَيَوَانِ كُلِّهِ وَالْبِيرِ *** وجُمْلَةِ العُرُوضِ في المَشْهُورِ

‏(‏و‏)‏ منعت أيضاً في ‏(‏الحيوان كله‏)‏ عاقل أو غيره إلا أن يكون تابعاً لما فيه الشفعة كما لو كان يعمل عليه في كحائط وباع حظه في الحائط والحيوان ففيه الشفعة حينئذ، فإن باع حظه من الحيوان فقط دون الحائط فلا شفعة ‏(‏و‏)‏ منعت أيضاً في ‏(‏ البير‏)‏ بعد قسم أرضها، وظاهره اتحدت البئر أو تعددت كان لها فناء أم لا‏.‏ وهو أحد تأويلين‏.‏ والتأويل الآخر أن محل عدم الشفعة إن اتحدت ولم يكن لها فناء وإلاَّ ففيها الشفعة، وما ذكره من عدم الشفعة فيها جار على القول بأن الشفعة خاصة بما يقبل القسمة، وتقدم أن العمل على خلافه ‏(‏و‏)‏ منعت أيضاً في ‏(‏جملة العروض‏)‏ كالثياب والسلاح وغيرهما ‏(‏في المشهور‏)‏ ومقابله حكاه الاسفرايني عن مالك، ومحل المشهور إذا لم يطلع الشريك على الثمن الذي وقف به العروض إلا بعد انبرام البيع، وأما قبل انبرامه فالشريك أحق بالثمن الذي وقف عليه جبراً على صاحبه رفعاً لضرره، وليس هذا شفعة لأنها أخذ من يد المشتري، وهذا أخذ من يد البائع، ونحو هذا قول ابن عرفة‏:‏ كل مشترك لا شفعة فيه فباع بعض الشركاء نصيبه منه فلمن بقي أخذه بالثمن الذي يعطى فيه ما لم ينفذ البيع اه‏.‏ وقولنا جبراً يعني وكان مريد البيع أراد أن يمضي البيع بذلك الثمن، فحينئذ يقضي به لشريكه جبراً، ومحله أيضاً ما لم يكن مريد البيع باع صفقة حيث يجوز له ذلك، وإلاَّ فللآخر الضم ولو نفذ البيع انظر ما يأتي في القسمة عند قوله‏:‏ ومن ادعى لبيع ما لا ينقسم‏.‏

وفي الزُّرُوعِ وَالبُقُولِ وَالخُضَرْ *** وفي مُغَيّبٍ في الأرْضِ كالجَزَرْ

‏(‏و‏)‏ منعت أيضاً ‏(‏في الزروع‏)‏ باع حصته منه ولو بأرضه والشفعة في الأرض فقط بما ينوبها من الثمن، سواء بيع بعد يبسه أو وهو أخضر أو قبل نباته‏.‏ انظر تفصيل المسألة في الشامل وشرحه‏.‏ ‏(‏و‏)‏ منعت أيضاً في ‏(‏البقول‏)‏ وهي التي يؤكل ما خرج منها فوق الأرض دون الداخل فيها كالكرنب والخس والهندبا ونحو ذلك‏.‏ ‏(‏والخضر‏)‏ لعله عطف تفسير على البقول ‏(‏و‏)‏ منعت أيضاً ‏(‏في‏)‏ كل ‏(‏مغيب‏)‏ الأصل وهو ما كان المقصود الأعظم منه داخل ‏(‏في الأرض ك‏)‏ البصل والفجل و‏(‏الجزر‏)‏ واللفت فإن كان تجنى ثمرته ويبقى أصله كالقرع والقثاء فهو قسم ثالث سيأتي‏.‏

وَنَخْلَةٍ حَيْثُ تَكُونُ وَاحِدَه *** وَشِبْهِهَا وفي البيوعُ الفاسِدَه

‏(‏و‏)‏ منعت أيضاً في ‏(‏نخلة حيث تكون واحدة وشبهها‏)‏ أي شبه النخلة كالزيتونة الواحدة، وهذا على أن الشفعة لا تجب إلا فيما لا ينقسم، وتقدم أن المعمول به وهو قول مالك خلافه‏.‏ ‏(‏و‏)‏ منعت أيضاً ‏(‏في البيوع الفاسدة‏)‏ لأنها مفسوخة شرعاً فإن أخذ الشفيع قبل علمه بفساده فسخ بيع الشفعة والبيع الأول إلا أن يفوت عند الشفيع، فيكون عليه الأقل من قيمته يوم قبضه هو أو القيمة التي وجبت على المشتري كما في الرجراجي ومحل سقوط الشفعة فيها‏.‏

ما لَمْ تُصَحَّحْ فَبقِيمَةٌ تَجِبْ *** كذاك ذو التَّعْوِيضِ ذا فيه يَجِبْ

‏(‏ما لم تصحح‏)‏ تلك البيوع الفاسدة بفوات المبيع بيد المشتري، فإن فاتت بيده فإما بغير البيع كالهدم والبناء والغرس لا بحوالة سوق لأنها لا تفيت العقار ‏(‏ف‏)‏ الشفعة حينئذ ‏(‏بقيمة تجب‏)‏ لأنها التي تلزم المشتري وتعتبر القيمة يوم القبض، وإن كان الفوات بالبيع فإما ببيع فاسد أو صحيح، فإن كان الثاني ولكن قصد به الإفاتة فالبيع الأول والثاني كلاهما مردود، وإن لم يقصد به الإفاتة فللشفيع الأخذ بالثمن فيه إن قام قبل دفع المشتري القيمة للبائع والأخير بين الأخذ بها أو بثمن البيع الصحيح، وإن كان الأول ولم يفت عند الثاني فإنهما يتفاسخان ولا شفعة، وإن فات عند الثاني فله الأخذ من أيهما شاء بالقيمة التي لزمته بعد علمهما بها، فإن أخذ قبل علمهما بها فذلك باطل، وهذا كله في المتفق على فساده، وأما المختلف فيه فإن لم يفت فسخ، وإن فات فالشفعة فيه بالثمن‏.‏

تنبيهان‏:‏

الأول‏:‏ بيع الثنيا من البيع الفاسد حيث اشترطت في العقد فيجري على ما تقدم، فإن تطوع بها بعد العقد كانت فيه الشفعة بالثمن وتقدم أنها محمولة على الشرط، وإن كتبت طوع على المعتمد وهذا كله إذا قلنا إنها بيع، وأما إن قلنا إنها رهن وهو عرف الناس اليوم فلا شفعة أصلاً انظر ما تقدم‏.‏

الثاني‏:‏ إن أحدث المشتري في الدار بناء والموضوع بحاله من فساد البيع لم يأخذ الشفيع بالشفعة حتى يدفع إلى المشتري قيمة ما أنفق مع القيمة التي وجبت للبائع على المشتري، وإن كانت الدار قد انهدمت لم يوضع عن الشفيع للهدم شيء من الثمن بل يأخذها بجميع الثمن أو يترك، وكذا إن كان البيع صحيحاً ولم يقم الشفيع لعدم علمه بالبيع ونحو ذلك حتى بنى المشتري أو غرس، فإنه لا يمكن من الشفعة حتى يدفع جميع الثمن وقيمة البناء والغرس قائماً، ويسقط عنه من الثمن قيمة النقض إن أعاده المشتري في البناء، فإن لم يعده فيه فللشفيع أخذه ويدفع جميع الثمن كما أشار له ‏(‏ خ‏)‏ بقوله‏:‏ وإن هدم وبنى فله قيمته قائماً وللشفيع النقض الخ‏.‏

‏(‏كذاك‏)‏ الشقص ‏(‏ذو التعويض ذا‏)‏ أي الشفعة بالقيمة ‏(‏فيه تجب‏)‏‏.‏ والمراد قيمة ما دفع في الشقص لا قيمة الشقص المشفوع، فإذا عوضه عن نصف دار مثلاً عرضاً أو حيواناً أو نصف حائط أو دار أخرى وهي المناقلة، فللشريك في الدار أن يشفع بقيمة العرض أو الحيوان ونصف الحائط ونصف الدار الأخرى لا بقيمة نصف الدار المشفوع إلا أن يكون نصف الدار وقع خلعاً أو صلحاً عن عمد، ونحوهما من المسائل السبع المشار إليها بقول ‏(‏خ‏)‏ في الاستحقاق‏:‏ إلا نكاحاً وخلعة وصلح عمد ومقاطعاً عن عبد أو مكاتب أو عمرى الخ‏.‏ فالشفعة في ذلك بقيمة الشقص المشفوع وتعتبر قيمته يوم عقد الخلع والنكاح ويوم عقد بقيتها لا يوم قيام الشفيع وأما المدفوع في صلح الخطأ فالشفعة فيه بدية الخطأ على تنجيمها، وما تقدم من أن المناقلة فيها الشفعة مطلقاً هو المشهور‏.‏ وقال المتيطي‏:‏ وإن كانت الدور أو الحائط بين شركاء فناقل أحدهم بعض إشراكه بأن جعل لهم حظه من هذه الدار‏.‏ وهذا الحائط في الدار الأخرى أو الحائط الآخر فلا شفعة في ذلك لأنه لم يرد البيع، وإنما أراد التوسع في حظه وجمعه للانتفاع، روى ذلك مطرف وابن الماجشون عن مالك‏.‏ وبهذه الرواية القضاء وعليها العمل، وكان ابن القاسم يقول‏:‏ إن مالكاً رجع عن هذا وقال فيه الشفعة، وأما إن ناقل نصيبه من هذه الدار المشتركة أو الأرض الموصوفة إلى دار أخرى لا شركة له فيها ففيها الشفعة، سواء ناقل بعض أشراكه أو أجنبياً اه‏.‏ بلفظ النهاية‏.‏ ونحوه في الدر النثير والعمل المطلق، وهذا التفصيل هو الذي يجب اعتماده كما يدل له كلام ابن ناجي وغيره‏.‏

وَالخَلْفُ في صنف المقاثي اشْتَهَرْ *** وَالأَخْذُ بالشُّفْعَةِ فِيهِ مُعْتَبَرْ

‏(‏والخلف‏)‏ في وجوب الشفعة وعدم وجوبها ‏(‏في صنف المقاثي‏)‏ بالهمز على الأصل جمع مقثأة كالفقوس والبطيخ والباذنجان ‏(‏اشتهر‏)‏ هو أي الخلف بمعنى الخلاف ‏(‏والأخذ بالشفعة فيه المعتبر‏)‏ لأنه الراجح والمشهور لأنها من الثمار كما مر ‏(‏خ‏)‏ وكثمرة ومقاثي وباذنجان الخ‏.‏ ثم أشار إلى ما يسقط الشفعة بعد وجوبها فقال‏:‏

وَالَّترْكُ لِلقِيَامِ فَوْقَ العَامِ *** يُسْقِطُ حَقَّهُ مع المُقَامِ

‏(‏والترك للقيام‏)‏ بالشفعة والسقوط عن طلبها ‏(‏فوق العام‏)‏ من يوم العلم بالبيع لا من وقت عقد البيع ‏(‏يسقط حقه‏)‏ في الأخذ بها ‏(‏مع المقام‏)‏ أي مع حضوره بالبلد وعلمه بالبيع وهو بالغ رشيد لا مانع يمنعه من مرض وخوف ونحوهما، وظاهره أنها لا تسقط إلا بما زاد على العام وهو مذهب المدونة قال فيها‏:‏ إن ما قارب السنة كالشهرين والثلاثة له حكمها اه‏.‏ قال في الكافي‏:‏ وهو المشهور من المذهب‏.‏ وفي المتيطية والجزيري‏:‏ أن به القضاء والعمل، ومذهب الرسالة أنها تنقطع بمجرد مضي العام، وعليه اقتصر ‏(‏خ‏)‏ وهو الذي رواه أشهب عن مالك وبالغ عليه حتى قال‏:‏ إذا غربت الشمس من آخر أيام السنة فلا شفعة‏.‏ قال أبو الحسن، حسبما في الدر النثير‏:‏ وعليه العمل عند القضاة ونحوه في وثائق الفشتالي ومجلس المكناسي والمعيار وغيرهم، فتبين بهذا أنه عمل بكل من القولين، ولكن المتأخرون على الثاني فوجب المصير إليه ويمكن تمشية الناظم عليه بأن يراد بالفوقية أول جزء منها‏.‏ وسيأتي أن سكوت الولي من أب أو وصي عن الأخذ بالشفعة للمحجور هذه المدة مسقط لشفعة المحجور، ومفهوم قوله فوق العام أنه إذا قام قبل العام فإنها لا تسقط وهو كذلك، لكنه يحلف إذا بعد ما بين العلم وقيامه كالسبعة الأشهر ونحوها واشتراط مضي العام إنما هو إذا لم يبين المشتري أو يغرس، وإلاَّ فتسقط شفعته ولا ينتظر مضي العام قاله في المتيطية‏.‏

ثم صرح بمفهوم قوله مع المقام فقال‏:‏

وغائبٌ باقٍ عَلَيْها وَكذَا *** ذو العُذْرِ لَمْ يَجِدْ إلَيْهَا مَنْفَذَا

‏(‏وغائب‏)‏ عن البلد وقت البيع أو بعد البيع وقبل علمه به ‏(‏باق عليها‏)‏ أي على شفعته ما لم يمض العام من وقت علمه بعد حضوره فإن شفعته تسقط حيث لا مانع يمنعه وظاهره ولو قربت غيبته وهو ظاهر المدونة أيضاً قال فيها‏:‏ والغائب على شفعته وإن طالت غيبته وهو عالم بالشراء، وإن لم يعلم فهو أحرى‏.‏ ابن يونس، وقال أشهب‏:‏ إلا أن تكون غيبة الشافع قريبة لا مؤنة عليه في الشخوص وطال زمانه بعد علمه بوجوب الشفعة فلا شفعة له، وظاهر أبي الحسن وابن عرفة وغيرهما‏:‏ أن قول أشهب تقييد، وصرح بذلك ابن ناجي فقال على قولها والغائب على شفعته الخ‏.‏ ما نصه‏:‏ يريد إن كانت الغيبة بعيدة وأما القريبة فلا مؤنة في الشخوص على الشفيع فيها فهو كالحاضر لنص أشهب بذلك اه‏.‏ فتبين أن قول أشهب تقييد للمذهب فيجب التعويل عليه، وهو الموافق لقولهم في باب القضاء والقريب كالحاضر، وهذ كله في غير الضعيف من الرجال والنساء، وأما الضعيف منهما ففي الوثائق المجموعة عن ابن مزين أن الرجل الضعيف والمرأة الضعيفة يغيبان على نحو البريد لا تسقط شفعتهما وينظر السلطان في ذلك، وفي الطرر ونحوه في ابن سلمون‏:‏ المرأة لا تنقطع شفعتها إن كانت على مسافة يوم وسلمه ابن عرفة وغيره، ثم قال في الطرر‏:‏ والرجل على ثلاثة أيام فأكثر لا تنقطع شفعته، وأما اليوم واليومان فهو كالحاضر اه‏.‏ ونحوه في العبدوسي قائلاً‏:‏ لا إشكال أن ثلاثة أيام مسافتها بعيدة، وإنما النظر في اليومين اه‏.‏ وقولي‏:‏ أو بعد البيع وقبل علمه به احترازاً مما إذا غاب بعد علمه به فإنها تسقط شفعته بمضي العام ‏(‏خ‏)‏‏:‏ كأن علم فغاب إلا أن يظن الأوبة قبلها فعيق عن القدوم بفتنة أو مرض، فإنها لا تسقط ولو مضى العام، وهذا كله إذا غاب الشفيع، وأما إذا غاب المشتري فللشفيع أن يرفع إلى القاضي ويأخذ بالشفعة بعد إثبات الموجبات كما تقدم في القضاء على الغائب قاله في المدونة، لكن قال ابن يونس، عن ابن المواز‏:‏ لاستثقال الناس الرفع إلى القضاة كانت غيبة المشتري عذراً‏.‏ ابن عرفة‏:‏ وهذا يحسن فيمن يعلم منه ذلك فأما من يعلم منه الطلب والدخول إلى القضاة فلا شفعة له اه‏.‏ وقيده ابن عرفة أيضاً بغير قريب الغيبة، وأما هو فكالحاضر‏.‏ وفي المعيار‏:‏ إذا غاب المشتري فإن الشفيع يشهد على نفسه أنه شفع وأن الثمن باق عليه، فإذا قدم دفع إليه الثمن، فإن غفل عن هذا الإشهاد وطالت غيبة المشتري أكثر من عام سقطت شفعته، وفيه أيضاً قبل هذا بنحو ثلاث ورقات أنه لا يلزمه أن يرفع الأمر إلى الحاكم لأنه يكلفه إثبات الموجبات وربما عسرت عليه اه‏.‏ وهذا صريح في أن الإشهاد واجب على الشفيع عند غيبة المشتري وإلا سقطت، فتأمله مع ما قبله‏.‏ وأما غيبة العقار المشفوع مع حضور الشفيع والمشتري فليست عذراً قاطعاً ‏(‏وكذا‏)‏ الشفيع ‏(‏ذو العذر‏)‏ لا يسقط حقه فيها حيث ‏(‏لم يجد إليها منفذا‏)‏ بسبب العذر من سطوة أو فتنة أو حجر، وأثبت ذلك بموجبه ابن يونس قال مطرف وابن الماجشون‏:‏ والمريض الحاضر والصغير والبكر كالغائب، ولهم بعد زوال ذلك العذر مثل ما للحاضر كانوا عالمين بالشفعة أم لا‏.‏ وقال أصبغ‏:‏ المريض كالصحيح لقدرته على التوكيل إلا أن يشهد في مرضه قبل مضي وقت الشفعة أنه على شفعته، وأنه ترك التوكيل عجزاً عنه وإلاَّ فلا شيء له‏.‏ ابن حبيب‏:‏ والأول أحب إلينا‏.‏ العبدوسي‏:‏ المشهور أن المريض يعذر خلاف ما قاله أصبغ‏.‏ وفي أن المريض كالصحيح وقيل كالغائب، وفي الأجهوري أن كونه كالصحيح هو الراجح اه‏.‏‏.‏

قلت‏:‏ الظاهر ما للعبدوسي من أنه يعذر، ويؤيده ما تقدم من أن استثقال الناس الرفع للقضاة يعد عذراً فلم يقولوا إن المستثقل للرفع يوكل لأن إدلاءه لحجج نفسه أقوى من إدلاء غيره، ولأنه لا يجد في الغالب ناصحاً له، وقد علم ما عليه الناس اليوم من قبول الرشا وفي وكالات المعيار ما يشهد لذلك والله أعلم‏.‏ وفي المتيطية‏:‏ وأما الغالب والصغير المهمل والسفيه الذي مات وليه واليتيم والبكر فلا تنقطع شفعتهم إلا بعد عام من قدوم الغائب وبلوغ اليتيم والبكر وترشيد السفيه ونكاح البكر ورشدها‏.‏ هذا هو المشهور وبه العمل اه‏.‏

تنبيهات‏:‏

الأول‏:‏ إذا قام الحاضر بعد مضي السنة وأنكر علمه بالبيع فإنه يصدق بيمينه ولو قام بعد مضي خمس عشرة سنة أو أكثر ‏(‏خ‏)‏‏:‏ وصدق إن أنكر علمه الخ‏.‏ أي أنكر علمه بالبيع أو بأن الشقص ملكه، وهذا إذا كان البائع يلي النظر مع الشفيع وأما إذا كان المشتري يلي النظر معه فلا يقبل قوله إنه لم يعلم لأن شاهد الحال يكذبه إذ لا يكاد يخفى عليه بأي وجه يلي النظر معه قال البرزلي على الطرر، وقاله في المتيطية أيضاً قال‏:‏ وقد قال فضل في وثائقه‏:‏ إذا كان الشفيع يرى المشتري يحرث الأرض ويعملها بحيث لا يخفى على مثله فلا كلام له إذا طال ذلك انتهى باختصار نقله ابن رحال وغيره مسلماً، فيجب اعتماده، وإن كان الزياتي نقل في نوازله عن ابن خجوا أن ما في المتيطية لا يفتى به في بلدنا، لكنه لا ينبغي أن يعول عليه والله أعلم‏.‏

الثاني‏:‏ إذا قال المبتاع‏:‏ نسيت الثمن فإن مضى من طول المدة ما يندرس فيه العلم وتموت البينة فالشفعة ساقطة، ولو كان الشفيع صغيراً أو غائباً بعد أن يحلف أنه نسيه وأنه ما يعلم قدره، وأما في قرب الأمد مما يرى أن المبتاع أخفى الثمن ليقطع الشفعة فإن الشفيع يشفع بقيمة الشقص يوم البيع نقله ‏(‏ح‏)‏ ونحوه في الشامل‏.‏ وقال في الكافي‏:‏ لو جهل ثمن الشقص فإن كان لطول الزمان سقطت الشفعة وإن كانت المدة قريبة فللشفيع أخذ الشقص بقيمته هذا قوله في الموطأ وهو تحصيل مذهب مالك وعليه العمل اه‏.‏ ونقله في الدر النثير والعمل المطلق‏.‏

الثالث‏:‏ لا شفعة في التمخي ‏(‏‏)‏ قال ابن القاسم فيمن تصدق بحظه على أخت له وقال‏:‏ كنت أخذت من موروثها مالاً ولا يعلم قدر ما أخذ من مالها ما نصه‏:‏ ذلك الحظ لها ولا أرى لأحد فيه الشفعة لأن مالكاً قال‏:‏ لنا ما طال من الشفعة حتى نسي ثمنه ولم ير أن صاحبه أخفى ذلك لقطع الشفعة فلا شفعة فيه إذا أتى من يطلبه اه‏.‏ باختصار‏.‏ وقال في المدونة‏:‏ من ادعى حقاً في دار بيد رجل فصالحه منه فإن جهلاه جميعاً جاز ذلك ولا شفعة فيه، ثم قال‏:‏ وإن ادعت سدس دار بيد رجل فأنكر فصالحك منه على شقص دفعه إليك من دار أخرى، فالشفعة في الشقص الذي لا دعوى فيه بقيمة المدعى فيه لأن قابضه مقر أنه اشتراه ودفع في ثمنه السدس ولا شفعة في الشقص المدعى فيه لأن قابضه يقول‏:‏ إنما أخذت حقي وافتديته بما دفعت فيه ولم أشتره اه‏.‏ وفي ابن سلمون‏:‏ لا شفعة في التمخي عند ابن القاسم وغيره إلا أن يكون صلحاً عن طلب ففيه الشفعة وهو حينئذ كالبيع اه‏.‏

الرابع‏:‏ ليس لأحد المتفاوضين شفعة فيما باعه الآخر لأن بيع أحدهما يلزم صاحبه، وهذ بخلاف الوكيل ففي المدونة ومن وكل رجلاً ليبيع له شقصاً أو يشتريه والوكيل شفيعه ففعل لم يقطع ذلك شفعته اه‏.‏ وعامل القراض كالوكيل كما في المتيطية، وكذا إذا باع الوصي أو الأب حصته في دار مشتركة بينه وبين يتيمه، فله أن يأخذ بالشفعة لنفسه أو ليتيمه كما قال ‏(‏خ‏)‏ وشفع لنفسه أو ليتيم آخر وعليه فما في البرزلي والتتائي ونوازل العلمي من أن الوكيل والوصي والأب لا شفعة لهم خلاف المذهب‏.‏

الخامس‏:‏ قال ابن رشد في أجوبته‏:‏ إن كان بعض الأشراك أحق بالشفعة من بعض فليس للأبعد أن يأخذ بالشفعة حتى يوقف الأقرب على الأخذ أو الترك، وإذا لم يقم واحد منهم بطلب الشفعة حتى مضى أمد انقطاعها بطلت شفعتهم جميعاً القريب والبعيد ولا حجة للبعيد في أن القريب كان أحق بالشفعة منه، فلذلك لم يقم بطلبها لأن سكوته عن أن يقوم بشفعته فيأخذها إن كان الأقرب غائباً أو يوقفه عن الأخذ والترك إن كان حاضراً مسقط لحقه فيها اه‏.‏ ونحوه في البرزلي عن ابن أبي زيد وصاحب الطرر، ولما نقله ابن عرفة قال عقبه‏:‏ هذا كالمنافي لما قاله محمد من أن استثقال الناس الرفع إلى القضاة يعد عذراً اه‏.‏

السادس‏:‏ إذا أشهد الشفيع بالأخذ ولم يعلم المشتري بذلك إلا بعد مضي الأمد المسقط فلا شفعة له على ما به عمل فاس قاله المسناوي عن سيدي العربي بردلة وقول ناظم العمل‏:‏ والأخذ بالشفعة سراً ينفع الخ‏.‏ لا عمل عليه‏.‏

السابع‏:‏ للشفعة مراتب أربع يقدم فيها ذو الفرض ثم العصبة ثم الموصى لهم ثم الأجانب وكل منهم يدخل على من بعده دون العكس، فإذا كانت دار مناصفة بين رجلين فمات أحدهما عن زوجتين وابنتين وأخوين وأوصى بثلث نصفه لرجلين، فإذا باعت إحدى الزوجتين أو البنتين فالأخرى أحق بنصيبها لقول ‏(‏خ‏)‏ وقدم مشاركه في السهم، فإذا أسقطت الشفعة فالشفعة للبنتين والأخوين على قدر الأنصباء دون الموصى لهما، فإذا باع أحد الأخوين فالشفعة للأخ الآخر وللزوجتين والبنتين لقوله أيضاً‏:‏ ودخل على غيره أي ودخل ذو الحظ والسهم على غيره من الورثة والأخوان ورثة، وكذا إذا ماتت إحدى البنتين أو أحد الأخوين عن ثلاثة أولاد مثلاً فباع أحد الأولاد، فإن الولدين الباقيين أحق لقوله وقدم مشاركه في السهم لأن الميت من الأولاد ذو سهم واحد وأولاده شركاء فيه، وإذا باع أحد الأخوين أو البنت الباقية أو إحدى الزوجتين وأسقطت الباقية فإن أولاد الميت الثاني يدخلون مع الأعلين وهم الزوجة الباقية والأخوان لقوله أيضاً‏:‏ ودخل على غيره لأن أهل وراثة الميت الثاني ذو سهم واحد فيدخلون مع الأعلين، وإذا باع أحد الموصى لهما دخل مع الباقي منهما في المثال المذكور الزوجتان والبنتان والأخوان لقوله‏:‏ ووارث على موصى لهم ولا يدخل الموصى لهما إذا باع أحد الأخوين أو إحدى الزوجتين أو البنتين وأسقطت الأخرى كما مر، فإذا أسقط الموصى لهم ومن قبلهم الشفعة انتقلت للأجنبي وهو شريك الهالك الأول والمشتري من كل ممن ذكر يتنزل منزلته، فإذا كانت الشركة بين أربعة فباع أحدهم نصيبه وأسقط الآخرون للمشتري الشفعة، ثم باع بعض الباقين نصيبه، فإن المشتري الأول يكون شفيعاً مع من بقي ويسقط حقهم في التقديم عليه قال ابن القاسم عن مالك‏.‏ ابن رشد‏:‏ وهذا مما لا أعلم فيه خلافاً لأن المبتاع يحل محل بائعه اه‏.‏ وعليه فإذا باعت إحدى الزوجتين نصيبها وأسقطت الأخرى مع باقي الورثة الشفعة، ثم باعت الزوجة الثانية المسقطة يكون المشتري أحق بالشفعة من باقي الورثة لأنه منزل منزلة ضرتها فتأمله‏.‏ وما تقدم عن مالك وابن رشد لا يعارضه ما في الكراس الثالث عشر من معاوضات المعيار من أن الإنسان إذا باع نصف داره ومات فباع بعض ورثته بعض النصف الآخر، فإن الشفعة للوارث الآخر لا للأجنبي لما بينهما من الفرق الظاهر، ولما نقل الرهوني ما مر عن ابن رشد نقل أيضاً عن ابن المواز أن أحد أولاد الميت إذا أوصى بحظه لرجل، ثم باع واحد من بقية الأولاد فإن من أوصى له الولد يدخل في ذلك مع بقية الإخوة ولم يختلفوا في هذا، وليس كالذي أوصى له أبوهم الذي ورثوا الدار عنه لأنه كمبتاع من أحد البنين فيحل محل بائعه ثم قال‏:‏ وأما إذا اشترى السهم كله جماعة فباع أحدهم حظه فقال ابن رشد عن ابن القاسم‏:‏ لا يكون إشراكه أحق بالشفعة من إشراك البائع، وقال أشهب‏:‏ إشراكه أحق لأنهم كأهل سهم واحد وأصله في الشامل ثم قال‏:‏ وإذا باع أحد الإخوة حظه من أرض المغارسة فالعامل كأحدهم في الشفعة إذا وقع البيع بعد تمام العمل، وأما إن باع قبله فالعامل لا يشفع حتى يبلغ الغرس فبلوغ الغرس كوضع الحمل، فكما أن الوصي لا يشفع للحمل حتى يوضع فكذلك المغارسة اه‏.‏ وانظر ما يأتي آخر المغارسة وما أسلفناه من المثال فيه تقريب على المبتدي وفيه إشعار بأن الصواب حذف قول ‏(‏خ‏)‏ كذي سهم على وارث ولذا أصلحه بعضهم بقوله‏:‏ وقدم مشاركه في السهم ثم الوارث ولو عاصباً ودخل على الموصى لهم، ثم الأجنبي بعدهم اه‏.‏ وقد استفيد مما مر أن ورثة الوارث مقدمون على شركاء الوارث ويدخلون عليهم‏.‏ وأن ورثة المشتري مقدمون على شركائه ويدخلون عليهم أيضاً، وأن المشترين لجزء إما من مشتر أو وارث فلا يكونون أحق من شركاء البائع إذا باع أحدهم بل هم معهم سواء خلافاً لأشهب في قوله‏:‏ إنهم أحق من شركاء البائع والله أعلم‏.‏

الثامن‏:‏ المحبس عليهم لا شفعة لهم إلا أن يكون مرجع الحبس لأحدهم ملكاً فلمن له المرجع الشفعة وانظر المتطوع بالإقالة في الثنيا، فإن الشفعة لشريك البائع ولو حصل التطوع المذكور كما في المتيطية وغيرها، فإن باع شريك البائع حظه بعد التطوع المذكور فعلى أنها رهن، فللبائع الأول الشفعة وعلى أنها بيع فهو بيع بخيار كما يفهم من كلام ابن رشد المتقدم في الثنيا وعليه فيجري ذلك على قول ‏(‏خ‏)‏‏:‏ ووجبت لشريكه أن باع نصفين خياراً ثم بتلا فامضى الخ‏.‏ ومعلوم أن المغارسة بيع تجري على بيع الخيار فلا تجب فيها الشفعة إلا بعد تمام العمل بالإطعام كما أن الخيار لا تجب الشفعة فيه إلا بعد الإمضاء قاله العلمي في نوازله، فانظر ذلك فيه‏.‏ وأما إذا باع العامل في المغارسة حصته قبل الإطعام فانظر حكمه في الشفعة من نوازلنا‏.‏

التاسع‏:‏ في المعيار عن ابن محسود‏:‏ أن الشفيع إذا طلب من المشتري أن يوليه الشقص فأبى أن له أن يأخذه بالشفعة قائلاً وليس هي كمسألة المساومة اه‏.‏ ومسألة المساومة قال اللخمي‏:‏ إذا قال إنما ساومته لعله يبيع بأقل وإلا رجعت إلى الشفعة، فإنه يحلف ويأخذ بالشفعة، وإن قال‏:‏ لا أشتري إن باع بأقل أو بأكثر فذلك إسقاط لشفعته اه‏.‏ ونحوه في ضيح فيجب أن يقيد به قول ‏(‏خ‏)‏ وسقطت إن قاسم أو اشترى أو ساوم الخ‏.‏

العاشر‏:‏ إذا قام الشفيع ودفع الثمن للمشتري فلم يقبله منه وبقي يتصرف مدة طويلة إلى أن أذعن لقبضه أو جبره الحاكم على قبضه فطلب الشفيع من المشتري غلة الأرض مدة امتناعه، فإنه يقضي له بها على المشتري لأن الشقص المبيع يملك بدفع الثمن قبضه منه المشتري أم لا‏.‏ قاله في نوازل الزياتي، وفي ‏(‏خ‏)‏ ودفع ثمن قال ‏(‏تت‏)‏‏:‏ رضي بأخذه أو لا اه‏.‏